د. عمر محمد سعيد
نتابع سلسة مقالاتنا للساسة و للقطاع الاقتصادي الذين هم في موقع المسؤولية الآن حول الموارد الذاتية التي يتمتع بها السودان، و ننادي دوما بالاعتماد عليها؛ لأنها تمثل كنزاً اقتصادياً لم يُستغل بعد بالشكل الامثل، و هي الطريق الوحيد لخروجنا من أزماتنا الاقتصادية المتلاحقة و سوف تكون تلك السلسلة من المقالات فريدة في تناولها لبعضٍ من هذه الكنوز.
و في هذا المقال سوف نتناول أحد مصادر الثروة الحيوانية المهمة و التي ينظر إليها الاقتصادي السوداني نظرة لا تنسجم مع قيمتها النقدية في السوق العالمي و هي الجلود، و سوف اركز في تلك المقالات عن المصادر الأخرى غير التي توفرها الثروة الحيوانية كاللحوم و الحليب و مشتقاته و البيض كمثال. تعتبر الجلود هي المنتج الثاني بعد اللحوم في توفير العملات الصعبة و تحقيق القيمة المضافة.
إن الجلود في السودان تمثل رقماً اقتصادياً مهماً حيث تزداد أعداد الجلود بتزايد الثروة الحيوانية، و المعروف ان الجلود السودانية تتمتع بجودة عالية لمتانتها و تكوينها النسيجي و الليفي، و تمتاز على الجلود العالمية الاخرى بكبر مساحتها.
في السودان صناعة و استخدام الجلود قديماً و حديثاً ترتبط بالصناعات التقليدية (كمركوب الجنينة و الفاشر) كصناعه اشتهرت بدافور و ارتبطت بالبعد الثقافي السوداني منذ زمن بعيد .
السؤال: هل تساهم الجلود في إعلاء القيمة المضافة للمنتجات السودانية؟ إن انتاج الجلود في السودان يصل إلى نسبة 50% من الانتاج العالمي، و إن هذا القطاع عادةً لا يحتاج إلى بنيات تحتية ضخمة و انما يحتاج إلى حزمة سياسات و اجراءات من الدولة ليكون قطاع الجلود فاعلاً و مؤثراً في اقتصادنا الوطني، و ما على الدولة إلا تهيئة بيئة ملائمة لتطوير صناعة الجلود و تحقيق الاستفادة القصوى منها في القطاع الاقتصادي بعد أن نضع على المنتجات المصنعة (دباجة صنع في السودان).
السودان كما يعلم جميع الاقتصاديين و المهتمين بأمر الاقتصاد بأنه يمتلك المقومات الأساسية لانتاج الجلود لوجود :
– ثروة حيوانية ضخمة متنوعة.
– الحاجة المتزايدة لاستهلاك اللحوم (في الداخل و الخارج).
– عدد من المسالخ تؤدي دوراً في انتاج الجلود.
– رغبة للتطور في القطاعات التي تعمل في مجال الجلود سواء كانت مدابغ أو مصانع صغيرة للمنتجات الجلدية .
– الخبرات المتراكمة للقطاع الذي يعمل في مجال الجلود.
– هنالك اعداد كبيرة بكل ولايات السودان تعمل في مجال الجلود و تمتلك وكالات و مخازن ضخمة توفر مادة خام للصناعة.
إذا كانت لدينا هذه المقومات فكيف لنا القيام بتطوير هذه الصناعة المهمة ؟
– تخصيص مركز محلية كرري التابع لوزارة الثروة الحيوانية ليكون مركزاً متخصصاً للتدريب على صناعة الجلود مع ضرورة بناء قاعدة بيانات و معلومات عن الجلود في السودان، و وضع خطط مسنودة بالعلم لتدريب العمالة في قطاع الأحذية و المنتجات الجلدية.
– ضرورة ادخال مناهج تعليمية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في هذه الصناعة لمواكبة الموضه العالمية فضلاً عن الاستعانة بالخبرات العالمية في هذا المجال.
– انشاء مراكز كمركز كرري في الولايات للتدريب لتساهم هذه المراكز مساهمة فاعلة في تطوير هذه الصناعة.
– على وزارة الصناعة انشاء عدد من المصانع لمستلزمات الانتاج لتقليل تكلفة الانتاج.
– أهمية تخصيص منطقة صناعية متكاملة لصناعة الاحذية و المنتجات الجلدية و يستحسن ان تكون هنالك عقودات شراكات مع دول كايطاليا و الهند و تركيا و الصين لنقل خبراتها إلى السودان.
– إعادة النظر في مناهج المدارس الصناعية و التدريب المهني و التعليم الفني بإدخال منهج علمي مرتبط بصناعة الجلود.
– أهمية وضع آليات لحماية الصناعة المحلية و إعطاء حوافز لهذه الصناعة المتأخره في السودان، و للاسف يتم تصدير الجلود في صورتها الأولية دون تصنيع لدول أخرى تستفيد من قيمتها المضافة، و هذا يعتبر هدراً متعمداً لقيمة هذه الجلود.
– ضرورة خفض التعريفه الجمركية لمستلزمات صناعة الجلود لخفض تكاليف الانتاج.
إن صناعة الجلود تعتبر من أقدم الصناعات في العالم و مع التطور المتسارع اصبحت صناعة الجلود ذات اهمية اقتصادية ضخمة على المستوى الدولي و يقدر بأن الانتاج العالمي في العام يبلغ 25 مليار قدم مربع من الجلد. و نحن في السودان يمثل انتاجنا من الجلود 50% من الانتاج العالمي و هذه تمثل حوالي 22 مليار دولار عند تصنيعها و تصديرها كأحذية جلدية و حقائب جلدية و ملابس جلدية و الأثاث و أجزاء مهمة في السيارات و الطائرات.
و السودان يمتلك كل مقومات هذه الصناعة، فالجلود متوفره لدينا باعتبارها من ناتج صناعة المواد الغذائية و تحديداً من معالجة اللحوم و بالمعالجة الصناعية المحكومة بالإرادة السياسية و الاقتصادية تصبح الجلود منتج نهائي مفيد و مستدام و جذاب و داعم للاقتصاد الوطني.
و سوف تظل مقالاتي مستمرة عن مواردنا الذاتية حتى لا نرهن السودان للخارج و للأسف يسيل لعاب الخارج على مواردنا الذاتية و يسيل لعاب الداخل على المنح و الهبات و القروض.