الخميس , أبريل 25 2024
أخبار عاجلة

التجربة الزيمبابوية .. سيناريو يخشاه السودانيون

في خضم الجدل الاقتصادي الذي تشهده البلاد، بدأت بعض الأصوات تستدعي التجربة الزيمبابوية “كنموذج للتغيير السياسي والاقتصادي” في محاولة للتحذير من مغبة الارتماء في أحضان البنك والصندوق الدوليين، ويخشى هؤلاء من الفاتورة المكلفة لتطبيق وصفة البنك الدولي لتحقيق الإصلاح الاقتصادي.
التضخم في البلاد تجاوز 136% في يونيو، بدلاً من 114% في مايو، هذه الوتيرة المتسارعة جعلت كثير من المراقبين يحذرون من أن البلاد باتت على وشك أن تلحق بزيمبابوي التي تجاوز معدل التضخم فيها 700%، ولم تجد حكومتها سوى أن تعلق إصدار بيانات التضخم، عندما تجاوز المعدل 175%، بداية العام الجاري، وما يجعل الكثيرون يستدعون هذه التجربة هو أن “عبد الله حمدوك” رئيس الوزراء، شغل في فترة من فتراته منصب كبير استشاريي البنك الدولي هناك، بحسب سيرته الذاتية المبذولة للجميع.
والشاهد هنا أن زيمبابوي تعمل منذ العام الماضي على تنفيذ برنامج لاستعادة الاستقرار الاقتصادي، بدعم من صندوق النقد الدولي، وهو ما يوضح سياسة التقشف الشديدة التي تنتهجها الحكومة هناك، فخلال العام 2019 فقط رفعت الهيئة المنظمة لقطاع الطاقة في زيمبابوي أسعار الوقود أربع مرات، حيث تسعى الحكومة التي تتبع سياسات الصندوق لمعادلة أسعار الوقود بتكلفة الاستيراد، مع أن الخطوة تعد كارثة بالنسبة للغالبية من المواطنين، في ظل تجاوز نسبة البطالة 80% من إجمالي السكان، ويقدر أجر الموظف الحكومي في مدخل الخدمة بـ 49 دولار أمريكي.
الخبير الاقتصادي “بكري الجاك” يرى أن الاقتصاد السوداني في حاجة إلى “مشروع مارشال” لتفادي مصير زيمبابوي أو ما هو أسوأ، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوداني وحتى سبتمبر 2019، كان يمكن إسعافه برؤية سياساتية واضحة تعمل علي كبح جماح التضخم، عبر السيطرة علي عجز الميزانية، حيث كان يجب البدء في تقليص المنصرفات الحكومية قبل التفكير في رفع الايرادات، مثل تحجيم الصرف البذخي علي القصر والوزارات والهيئات الوهمية، قبل العمل علي رفع الدعم، واعتبر أن وزير المالية السابق “إبراهيم البدوي” تعجل هذه الخطوة، وأشار الجاك إلى أنه في ظل الإشكالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، والمتمثلة في تشوه الأسواق بالاحتكار والمضاربة في سعر الصرف، بدلا من تدوير البضاعة لتحقيق ربح سريع كما في أي سوق فعال، كان يمكن للحكومة أن تعمل على تحقيق توازنات مؤقتة، بما يتيح لها فرصة للمناورة، ومن ثم ربط السياسات الكُلية بالسياسات النقدية والمالية، وتابع “كُنا من المنادين بتغيير العملة للسيطرة علي حجم الكتلة النقدية والتضخم” مما يمهد الطريق لتحريك عجلة الانتاج.
وكان الزيمبابويين قد نجحوا عام 2017 في إزاحة الرئيس السابق “روبرت موغابي” بعد 37 عاماً على سدة الحكم، ليتم تشكيل حكومة تكنوقراط برئيس منتخب هو “إيمرسون منانغوا” ذو الميول الشيوعية، وأبرز وجوه هذه الحكومة هو البروفيسور الاقتصادي، وزير المالية “مثولي نكوبي” وهو خبير اقتصادي دولي، قادم من أكسفورد، وكان يشغل منصب نائب رئيس بنك التنمية الإفريقي،
وبعد التخلص من موغابي، ارتفع سقف طموحات الكثيرين هناك، إلا أن الواقع يشير إلى أن الزيمبابويين الان يعيشون بمشاعر محبطة، وسط انقطاع التيار الكهربائي يومياً لفترة تصل إلي 17 ساعة، فضلًا عن النقص الحاد في الوقود، والخبز، والأدوية، والنقد الأجنبي، لدرجة أن سعر صرف الدولار الأمريكي وصل إلى 322.0002 دولار زيمبابوي.
وفي هذا الصدد يرى الخبير الاقتصادي “الجاك” أن رفع الدعم وزيادة المرتبات، هو أمر سياسي ولا علاقة له بأي منطق اقتصادي، مثل خفض عجز الميزانية أو محاربة التضخم، فمن ناحية رفع الدعم برغم قسوته على قطاعات عريضة من الشعب لم يؤتِ ثماره في خفض عجز الميزانية، فقد أُلحق بزيادة خرافية في مرتبات 900 الف موظف في القطاع العام، وأضاف أنه برغم مراوغة “البدوي” حين قال إن تمويل هذه الزيادات سوف لن يأتي من طباعة النقود، الا أن الشواهد تؤكد أن ما حدث هو بالضبط طباعة النقود لتمويل عجز الميزانية الذي تضاعف بسبب زيادة المرتبات، مستشهداً بالتصريح الذي ادلت به وزير المالية المكلف “هبة محمد علي” عن جاهزية مطبعة العملة، محذراً من أن البلاد مقبلة على مرحلة اقتصادية حرجة ستشهد تفاقم التضخم إلى مستويات لم يسمع بها السودانيون من قبل، وهو ما سيمهد الطريق للسير علي خطى زيمبابوي وفنزويلا، فعمليا سوف لن يكون هنالك معني للعملة المحلية في تحديد قيمة الاشياء، وسوف يبدأ الناس في التفكير في تقييم الاشياء بالدولار، لأن قيمة الجنيه السوداني قد تختلف ما بين الصباح والمساء، و هو أمرٌ مربك، لأن العملة ليست فقط وسيلة للتبادل في السوق، فهي أيضاً مخزن للقيمة ولفكرة الأحقية والاستحقاق.
المهم هنا هو أن الفرق ما بين السودان وزيمبابوي، هو أن الاخيرة اُعترف بها كدولة مستقلة في العام 1980 وكان “موغابي” هو أول رئيس لها، والمدهش أن زيمبابوي تمتلك ثروات طبيعية كبيرة مثل الفحم، والذهب، والنيكل، والنحاس، والقصدير، والحديد، والبلاتينيوم، بجانب انتاج وفير من القطن والحبوب.
خلاصة القول هنا أن ما كان يمكن أن يكون مفيداً من منظور سياساتي، قبل خطوات البدوي، لم يعد ذا فائدة والطريق للخروج ليس هو نفس طريق الدخول، والاثار الجانبية قد بدأت تأخذ مسار حياة خاص بها، ويتطلب معالجة مختلفة كاي دواء آخر، بحسب “الجاك” الذي قال إنه لا يوجد في متناول وزارة المالية أي أدوات محددة وفعالة، لتتمكن من وقف التدحرج إلى الهاوية، بدون برنامج شبيه بمشروع أو خطة مارشال، قاطعاً بأنه لن يكون بمقدور السودان بوضعه السياسي الحالي “ما بين تنازع وتدافع وتشظي” والتدهور الاقتصادي الحتمي من إيجاد أي صيغة بإمكانها وقف هذا التدحرج.
وبالنسبة لوصفة البنك الدولي “المختلف عليها” يقول “الجاك” إن صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، مؤهلان لرؤية أي شيء في السودان أبعد من المقاييس الكمية التي يتبعونها ببروقراطية صارمة وجامدة، لتحديد المخاطر في صناعة القرارات بالجهات التي يمكن ان تستثمر في مستقبل السودان، وزاد “هذا لو سلمنا بقبول تبعات ذلك الاستثمار وتعقيدات شروطه” مبيناً أن ما يجب أن يكون علي رأس أولويات الحكومة، هو البحث عن شركاء اقليميين جُدد، أو تجديد الشراكة مع بعض القدامى، لافتاً إلى أنه من غير ضخ ما لايقل عن اثنين إلى ثلاثة بليون دولار في بنك السودان لزيادة احتياطات النقد الأجنبي، وإلحاق ذلك بسياسات كليه تستهدف تقليل الطلب علي الدولار، وربطه برؤية اقتصادية متكاملة تستهدف تحريك عجلة الانتاج تدريجياً، عبر السيطرة علي التضخم.

وبعد ما يقارب العام ونصف العام، على سقوط نظام البشير، ما زالت أشواق السودانيين للاستقرار الاقتصادي والرفاهية تراوح مكانها، ويمكن القول إن الضائقة المعيشة المتمظهرة في الغلاء “غير المسبوق” وصفوف الوقود والرغيف، أحالت الأحلام والامال التي صاحبت ثورة ديسمبر، إلى هواجس ومخاوف من مستقبل مجهول الملامح، لاسيما وأن حكومة “عبد الله حمدوك” ما زالت تبدو في منظر العجز عن تقديم أي حلول تلامس الواقع المأزوم.

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

ندي الريح :تتعهد بالنهوض بقطاع الصناعة بمختلف مجالاته بربر

بربر وقفت مدير الادارة العامة للصناعة بالولاية نهر النيل المهندس ندى الريح على سير العمل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا