الثلاثاء , أبريل 23 2024
أخبار عاجلة

معركة السوق .. حرب الكواليس و الأروقة

تحليل: الجميل الفاضل
باتت حكومة (الوفاق الوطني) تحت وابل من نيران صديقة كثيفة .. و بدأ كأن الحكومة التي يترأسها الرجل الثاني في الجناح العسكري للإنقاذ ، قد سقطت في كمين إقتصادي مفاجيء، نصبه بعناية فائقة حلفاء ثقاة من الجناح السياسي في معادلة الإنقاذ .. حيث تمّ إستدراج الحكومة فيما يبدو إلى منطقة رخوة هشة؛ بمجرد تبنيها لخطةٍ أو لميزانيةٍ مفخخة كانت بمثابة الطٌعم الذي عززته إجراءات ثقيلة الوقع على المواطن، ذات آثار جانبية خطيرة تفوق طاقة إحتمال الناس، تؤدي نتائجها لا محالة إلى سحب أو جّر أرجل (حكومة بكري) إلى مستنقع هو بالضبط عين قلب الكمين.. إجراءات كان من نتائجها البائنة تضّعضعٍ سريع لثقة العملاء في الجهاز المصرفي، الشيء الذي يمهّد ربما لحدوث أوسع وأضخم هروب للودائع في تاريخ البنوك على الإطلاق، علاوة على تدابير رعناء أخرى .. ليس أقلها رفع قيمة الدولار الجمركي بصورة مفاجئة، أذنت بإطلاق غولِ غلاءِ الأسعار من عقاله، مع تصاعد وتيرة التضخّم على نحو غير مسبوق.. هذا في وقت كانت تتآكل فيه قيمة الجنيه السوداني في سوق العملات بصورة مخيفة .
و بدأ كأن أيدٍ آثمة خفية لازالت تلعب بخيوط الأزمة المركّبة، و تتحكم فيها بشكل أو بآخر، من خلال تحركات إلتفافيةٍ غامضة تجري على مسرح الأحداث وحوله إلى يومنا هذا ، الذي لامس فيه الدولار حاجز الأربعين جنيهاً بالسوق الموازي رغم أنف الحصار المطّبِق المضروب على هذا السوق .
إنها الحرب إذن .. لكنها حربٌ من نوعٍ آخر.. حرب إقتصادية ضروس يدور رحاها كراً و فراً داخل سراديب مظلمة، و أقبية باردة، بل بجوف الأروقة ، و خلف الكواليس .. حرب نجحت العناصر السياسية المناوئة لتمدد العسكرييّن في دوائر إتخاذ القرار عموماً بنقلها الى ميدان مخلتف ترجح في كفتها.. هو ميدان أو مضمار السوق والتجارة والإقتصاد .
فعسكريو الإنقاذ الذين تنامى مؤخراً بتسارع مضّطرد وجودهم بمراكز التحكم والسيطرة بدءاً بحوز الفريق أول بكري حسن صالح على رئاسة الحكومة، و إنتهاءاً بتولي الفريق محمد عثمان الركابي لوزارة المال .. مع إرهاصاتٍ قويَّة ترجح اليوم سعي العسكريين لإقتناص صيدٍ ثمين آخر هو حقيبة الخارجية التي خلت بإقالة وزيرها غندور، الذي خرج عن مرماه في لحظة شرود ذهني نادر، ليجد الفريق أول عماد الدين عدوي رئيس الأركان السابق نفسه في مواجهة خشبات خالية من حارسها المخضرم (غندور) الذي غادر منطقته على حين غِرةٍ و بتقديرٍ خاطيء، و من خلف (عدوي).. ساعد هجوم متأهب آخر هو الفريق الفاتح عروة الذي يجيد اللعب بكلتا قدميه والرأس، من واقع تجاربه الثرة على ملعب الأمم المتحدة، إضافة لكسبه الخاص في ميادين الكرة الشاطئية، و على ملاعب الخماسيات الضيقة.
و هنا لا أتصور أن مطاردات ثنائي الدفاع السياسي معتز موسى، و الدرديري محمد حمد، يمكن أن تفلح في إيقاف تقدم أياً من رأسي حربة الجناح العسكري بإتجاه الهدف .
فالإنقاذ قامت أصلاً على تحالفٍ بين جناحها العسكري، و الجناح السياسي الذي تزعمه عراب الإنقلاب حسن الترابي باديء ذي بدء.. ثم من بعده تلميذه البارع تكتيكياً علي عثمان محمد طه، الذي زاحمه على المقود بقوة رجل النظام القوي نافع علي نافع.. قبل أن يحسم البشير صراع ثنائية القيادة لصالحه تماماً قبل نحو خمس سنوات تقريباً.
فمنذ العام (2013) يتعايش جناحا الإنقاذ السياسي والعسكري على معادلة توازن قلق.. بين إسلامييّن يععتقدون في قرارة أنفسهم أنهم ملاك الإنقاذ الوحيدين بمظنة أنهم صناع إنقلابها تخطيطاً بل وتنفيذاً كذلك.. و بين عسكريين يدركون جيداً أنه لولا وجودهم كواجهة للحكم ما كانت ستقوم للإنقاذ نفسها قائمة.
لكن برغم التوترات المتواترة بين الحليفين ظلت شعرة معاوية بينهما تراوح مكانها، فمع كل شّد لطرف، يقابل الآخر غريمه بنوع من الإرخاء.
بيد أن الإسلاميّين الذين فشل مشروعهم على الأرض لا زالوا يعملون و بلا إستثناء لإستعادة فردوس سلطتهم المفقود بشتي الحيّل والسبل و الوسائل، تلك السلطة التي تسربت من بين أيديهم .. جراء تناقضات ثانوية، أو نتيجة أطماعٍ فرديةٍ أنانيةٍ جامحة.. الى حد كاد فيه اليوم أن يرقي العمل عندهم لإعادة نظام الإنقاذ الى (بيت الطاعة) الإسلامي واجباً مقدساً، أملاً في تطبيق الفلسفة التي قام عليها مشروع الإستيلاء على السلطة إبتداءاً.. وفق نظرية (الكل المركب).. تلك النظرية التي تقوم على ققاعدة تنشد ذوبان (الحاءات الثلاث).. حاء (الحركة)، و حاء (الحزب)، و حاء (الحكومة) في بوتقة النظام .. الذي تفترض النظرية أن يعبر هو بكلياته دون زيادة و بلا نقصان عن (الايديولجيا الإسلامية )، إخوانية الأصل والمنشأ.
في وقت يقول الواقع أن الجناح العسكري للإنقاذ قد قطع بالفعل شوطاً بعيداً في تطبيق إستراتيجية مغايرة ذهبت خطوة بعد خطوة في الإتجاه المعاكس تماماً.. إتجاه التفكيك الكامل للحمة المنظومة آنفة الذكر، لكي يسهّل على نفسه مهمة إحكام قبضته على الحاء الذهبية (حاء الحكومة) وحدها لا غير

عن المحرر العام

موقع زراعي سياحي بيئي

شاهد أيضاً

مدير “الفاو” يحذر من تفاقم الجوع بإفريقيا ويشيد بالنموذج المغربي في الزراعة

الرباط وكالات ايكوسودان.نت من الرباط، لم يتوان شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
البيئة بيتنا